فصل: ذكر وفاة يزيد بن الوليد بن عبد الملك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر خبر الحارث بن سريج وأمانه:

وفي هذه السنة أومن الحارث بن سريج وهو ببلاد الترك، وكان مقامه عندهم اثنتي عشرة سنة، وأمر بالعود إلى خراسان.
وكان السبب في ذلك أن الفتنة لما وقعت بخراسان بين نصر والكرماني خاف نصر قدوم الحارث عليه في أصحابه والترك فيكون أشد عليه من الكرماني وغيره، وطمع أن يناصحه، فأرسل مقاتل بن حيان النبطي وغيره ليردوه عن بلاد الترك. وسار خالد بن زياد الترمذي وخالد بن عمرو مولى بني عامر إلى يزيد بن الوليد فأخذا للحارث منه أماناً،فكتب له أمانه، وأمر نصر أن يرد عليه ما أخذ له، وأمر عبد الله بن عمر بن عبد العزيز عامل الكوفة بذلك أيضاً فأخذا الأمان وسارا إلى الكوفة ثم إلى خراسان، فأرسل نصر إليه، فلقيه الرسول وقد رجع مع مقاتل بن حيان وأصحابه، فوصل إلى نصر وقام بمرو الروذ، ورد نصر عليه ما أخذ له. وكان عوده سنة سبع وعشرين ومائة.

.ذكر شيعة بني العباس:

في هذه السنة وجه إبارهيم بن محمد الإمام أبا هاشم بكير بن ماهان إلى خراسان، وبعث معه بالسيرة والوصية، فقدم مرو وجمع النقباء والدعاة، فنعى إليهم محمد بن علي ودعاهم إلى ابنه إباهيم ودفع إليهم كتابه، فقلبوه ودفعوا إليه ما اجتمع عندهم من نفقات الشيعة، فقدم بها بكير على إبراهيم.

.ذكر بيعة إبراهيم بن الوليد بالعهد:

وفي هذه السنة أمر يزيد بن الوليد بالبيعة لأخيه إبراهيم ومن بعده لعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك. وكان السبب في ذلك أن يزيد مرض سنة ست وعشرين ومائة، فقيل له ليبايع لهما، ولم تزل القدرية ببزيد حتى أمر بالبيعة لهما.

.ذكر مخالفة مروان بن محمد:

وفي هذه السنة أظهر مروان بن محمد الخلاف ليزيد بن الوليد.
وكان السبب في ذلك أن الوليد لما قتل كان عبد الملك بن مروان بن محمد مع الغمر يزيد أخي الوليد بحران بعد انصرافه من الصائفة، وكان على الجزيرة عبدة بن الرياح الغساني عاملاً للوليد، فلما قتل الوليد سار عبدة عنها إلى الشام، فوثب عبد الملك بن موران بن محمد على حران والجزيرة فضبطهما وكتب إلى أبيه بأرمينية يعلمه بذلك ويشير عليه بتعجيل السير.فتهيأ مروان للمسير وأنفذ إلى الثغور من يضبطها وبحفظها، وأظهر أن يطلب بدم الوليد، وسار ومعه الجنود ومعه ثابت بن نعيم الجذامي من أهل فلسطين.
وسبب صحبته له أن هشاماً كان قد حبسه، وسبب حبسه أن هشاماً أرسله إلى إفيقية لما قتلوا عامله كملثوم بن عياض فأفسد الجند، فحبسه هشام، وقدم مروان على هشام في بعض وفاداته فشفع فيه فأطلقه فاستصبحه معه.
فلما سار مروان مسيره هذا أمر ثابت بن نعيم من مع مروان من أهل الشام بالانضمام إليه ومفارقة مروان ليعودوا إلى الشام، فأجابوه إلى ذلك، فاجتمع معه ضعف من مع مروان وباتوا يتحارسون، فلما أصبحوا اصطفوا للقتال، فامر مروان منادين بنادون بين الصفين: يا أهل الشام ما دعاكم إلى هذا؟ ألم أحسن فيكم السيرة؟ فأجابوه بأنا كنا نطيعك بطاعة الخليفة، وقد قتل وبايع أهل الشام يزيد فرضينا بولاية ثابت ليسير بنا إلى أجنادنا. فنادوهم: كذبتم فإنكم لا تريدون ما قلتم، وإنما تريدون أن تغصبوا من مررتم به من أهل الذمة أموالهم! وما بيني وبينكم إلا السيف حتى تنقادوا إلي فأسير بكم إلى الغزاة ثم أترككم تلحقون بأجنادك. فانقادوا له، فأخذ ثابت بن نعيم وأولاده وحبسهم وضبط الجند حتى بلغ حران وسيرهم إلى الشام ودعا أهل الجزيرة إلى العرض فعرض نيفاً وعشرين أفاً وتجهز للمسير إلى يزيد، وكاتبه يزيد ليبايع له ويوليه ما كان عبد الملك بن موران ولى أباه محمد بن مروان من الجزيرة وأرمينية والموصل وأذربيجان، فبايع له مروان وأعطاه يزيد ولاية ما ذكر له.

.ذكر وفاة يزيد بن الوليد بن عبد الملك:

وفي هذه السنة توفي يزيد بن الوليد لعشر بقين من ذي الحجة، وكانت خلافته ستة أشهر وليلتين، وقيلك كانت ستة أشهر واثني عشر يوماً، وقيل: خمسة أشهر واثني عشر يوماً، وكان موته بدمشق، وكان عمره ستاً وأربعين سنة، وقيل: سبعاً وثلاثين سنة؛ وكانت أمه أم ولد اسها شاهفرند بنت فيوز بن يزدجرد بن شهريار بن كسرى، وهو القائل:
أنا ابن كسرى وأبي مروان ** وقيصر جدي وجدي خاقان

إنما جعل قيصر وخاقان جديه لأن أم فيروز بن يزجرد ابنة كسرى شيرويه بن كسرى، وأمها ابنة قيصر، وأم شيرويه ابنة خاقان ملك الترك.
وكان آخر ما تكلم به: وحسرتاه وأسفاه! ونقش خاتمه: العظمة لله. وهو أول من خرج بالسلاح يوم العيد، خرج بين صفين عليهم السلاح.
قيل: إنه كان قدرياً، وكان أسمر طويلاً صغير الرأس جملاً.

.ذكر خلافة إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك:

فلما مات يزيد بن الوليد قام بالأمر بعده أخوه إبراهيم، غير أنه لم يتم له الأمر، فكان يسلم عليه تارة بالخلافة وتارة بالإمارة وتارة لا يسلم عليه بواحدة منهما، فمكث أربعة أشهر، وقيل: سبعين يوماً، ثم سار إليه مروان ابن محمد فخلعه، على ما نذكره، ثم لم يزل حياً حتى أصيب سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وكنيته أبو إسحاق؛ أمه أم ولد.

.ذكر استيلاء عبد الرحمن بن حبيب على أفريقية:

كان عبد الرحمن بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع قد انهزم لما قتل أبوه وكلثوم بن عياض سنة اثنتين وعشرين ومائة، وسار إلى الاندلس، وقد ذكرناه، وأراد أن يتغلب عليها، فلم يمكنه ذلك، فلما ولي حنظلة بن صفوان إفريقية، على ما ذكرناه، وجه أبا الخطار إلى الأندلس أميراً، فأيس حينئذ عبد الرحمن مما كان يرجوه فعاد إلى إفريقية وهو خائف من أبي الخطار، وخرج بتوني من إفريقية في جمادى الولى سنة ست وعشرين وقد ولي الوليد ابن يززيد بن عبد الملك الخلافة بالشام، فدعا الناس إلى نفسه، فأجابوه، فسار بهم إلى القيروان، فأراد من بها قتاله فمنعهم حنظلة، وكان لا يرى القتال إلا لكافر أو خارجي، وأرسل إليه حنظلة رسالة مع جماعة من أعيان القيروان رؤساء القبائل يدعوه إلى مراجعة الطاعة، فقبضهم وأخذهم إلى القيروان وقال: إن رمى أحد من أهل القيروان بحجر قتلت من عندي أجمعين،فلم يقالتله أحد.
فخرج حنظلة إلى الشام، واستولى عبد الرحمن على القيروان سنة سبع وعشرين ومائة وسائر إفريقية.
ولمكا خرج حنظلة إلى الشام دعا على أهل إفريقية وعبد الرحمن، فاستجيب له فيهم، فوقع الوبأ والطاعون سبع سنين لم يفارقهم إلا في أوقات متفرقة، وثار بعبد الرحمن جماعة من العرب والبربر ثم قتل بعد ذلك.
فممن خرج عليه عروة بن الوليد الصدفي واستولى على تونس، وقام أبو عطاف عمران بن عطاف الأزدي فنزل بطيفاس، وثارت البرر بالجبال، وخرج عليه ثابت الصنهاجي بباجة فأخذها.
فأحضر عبد الرحمن أخاه إلياس وجعل معه ستمائة فارس وقال له: سر حتى تجتاز بعسكر أبي عطاف الأزدي، فإذا رآك عسكره فارقهم وسر عنهم كأنك تريد تونس إلى قتلا عروة بن الوليد بها، فإذا أتيت موضع كذا فقف فيه حتى يأتيك فلان بكتابي فافعل بما فيه.
فسار إلياس ودعا عبد الرحمن إنساناً، وهو الرجل الذي قال لأخيه إلياس عنه، وأعطاه كتاباً وقال له: امض حتى تدخل عسكر أبي عطاف، فإذا أشرف عليهم إلياس ورأيتهم يدهعون السلاح والحخيل فإذا فارقهم إلياس ووضعوا السلاح عنهم وأمنوا فسر إليه وأوصل كتابي إليه فمضى الرجل ودخل عسكر أبي عطاف، وقاربهم إلياس فتحركوا للركوب، ثم فارقهم إلياس نحو تونس فسكنوا وقالوا: قد دخل بين فكي أسد، نحن من هاهنا وأهل تونس من هناك، وأمنوا وصمموا العزم على المير خلفه. فلما أمنوا سار ذلك الرجل إلى إلياس فأوصل إليه كتاب أخيه عبد الرحمن، فإذا فيه: إن قد أمنوك فسر إليهم وهم في غفلتهم. فعاد إلياس إليهم وهم غارون فلم يلحقوا يلبسون سلاحهم حتى دهمهم فقتلهم وقتل أبا عطاف أميرهم سنة ثلاثين ومائة، وأرسل إلى أخيه عبد الرحمن يبشره بذلك، فكتب إليه عبد الرحمن يأمره بالمسير إلى أهل تونس ويقول: إنهم إذا رأوك ظنوك أبا عطاف فأمنوك فظفرت بهم.
فسار إليهم، فكان كما قال عبد الرحمن، ووصل إليها وصاحبها عروة ابن الوليد في الحمامفلم يلحق يلبس ثيابه حتى غشيه إلياس فالتحف بمنشفة ينشف بها بدنه وركب فريه عرياناً وهرب، فصاح به إلياس: سا فارس العر! فعاد إليه فضربه إلياس واحتضنه عروة فسقطا إلى الأرض،وكاد عروة يظهر على إلاس فأتاه مولى لإلياس فقتله واحتز رأسه وسيره إلى عبد الرحمن وأقام إلياس بتونس وخرج عليه رجلان بطرابلس اسمهما عبد الجبار والحارث وقتلا من أهل البلد جماعةً كثيرة، فسار إليهم عبد الرحمن سنة إحدى وثلاثين ومائة وقاتلهما فقتلا، وكانا يدينان بمذهب الإباضية من الخوارج.
وجند عبد الرحمن في قتال البربر، وعمر عبد الرحمن سور طرابلس سنى اثنتين وثلاثين ومائة، ثم إنه عاد إلى القيروان وغزا تلمسان وبها جمع كثير من البربر فظفر بهم، وذلك سنة خمس وثلاثين، وسير جيشاً إلى صقلية فظفروا وغنموا عنيمة كثيرة، وبعث جياً آخر إلى سردانية فغنموا وقتلوا في الروم، ودوخ المغرب جميعه ولم ينهزم له عسكر.
وقتل مروان بن محمد وزالت دولة بني أمية وعبد الرحمن بإفريقية، فخطب للخلفاء العابسيين وأطاع السفاح. ثم قدم عليه جماعة من بني أمية فتزوج هو وإخوته منهم، وكان في من قدم عليه منهم: العاص وعبد المؤمن ابنا الوليد ابن يزيد بن عبد الملك، وكانت ابنة عمهما تحت إلياس أخي عبد الرحمن، فبلغ عبد الرحمن عنهما السعي في الفساد عليه فقلهما، فقالت ابنة عمهما لزوجها إلياس: إن أخاك قد قتل أختانك ولم يراقبك فيهم وتهاون بك، وأنت سيفه الذي يضرب به، وكلما فتحت له فتحاً كتب إلى الخلفاء: إن ابني حبيباً فتحه، وقد جعل له العهد بعده وعزلك عنه. ولم تزل تغريه به. فتحرك لقولها وأعمل الحيلة على أخيه.
ثم إن السفاح توفي وولي الخلافة بعده المنصور، فأقر عبد الرحمن على إفريقية، وأرسل إليه خلعةً سوداء أول خلافته فلبسها، وهي أو سواد دخل إفريقية. فأرسل إليه عبد الرحمن هدية وكتب يقول: إن إفريقية اليوم إسلامية كلها وقد انقطع السبي منها والمال، فلا تطلب مني مالاً. فغضب المنصور وأرسل إليه يتهدده، فخلع المنصو بإفريقية ومزق خلعته وهو على المنبر وكان خلع المنصور مما أعان أخاه إلياس عليه. فاتفق جماعة من وجوه القيروان معه على أن يقتلوا عبد الرحمن ويولوه ويعيد الدعاء للمنصور. فبلغ عبد الرحمن غامر أخاه إلياس بالمسير إلى تونس، فتجهز ودخل إليه يودعه ومعه أخوه عبد الوارث، فلما دخلا على عبد الرحمن قتلاه. وكان قتله في ذي الحجة سنة سبع وثلاثين ومائة، وكانت إمارته على إفريقية عشر ينين وسبعة أشهر.
ولما قتل ضبط إلياس أبواب الدار ليأخذ ابنه حبيباً، فم يظفر به، وهرب حبيب إلى تونس واجتمع بعمه عمران بن حبيب وأخبره بقتل أبيه؛ وسار إلياس إليهما، واقتتلوا قتالاً يسيراً، ثم اصطلحوا على أن يكون لحبيب قفصة وقسطيلة ونفزاوة، ويكون لعمران تونس وصطفورة والجزيرة، ويكون سائر إفريقية لإلياس؛ وكان هذا الصلح سنة ثمان وثلاثين ومائة، فلما اصطلحوا سار حبيب بن عبد الرحمن إلى عمله، ومضى إلياس مع أخيه عمران إلى تونس فغدر بعمران أخيه وقتله وانخذ تونس وقتل بها حماعةً من أشراف العرب وعا إلى القيروان. فلما استقر بها بعث بطاعته إلى المنصور مع وفد، منهم عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قاضي إفريقية.
ثم سار حبيب إلى تونس فملكها، فسار إليه إلياس واقتتلوا قتالاً ضعيفاً، فلما جنهم الليل ترك حبيب خيامه وسار جريدة إلى القيروان فدخلها وأخرج من في السجن وكثر جمعه.
ورجع إلياس في طلبه ففارقه أكثر أصحابه وقصدوا حبيباً، فعظم جيشه، وخرج إليه فاتقيا فغدر أصحاب إلياس، وبرز حبيب بين الصفين، فقال له: ما لنا نقتل صنائعنا وموالينا؟ ولكن ابرز أنت إلي فأينا قتل صاحبه استراح منه. فتوقف إلياس ثم برز إليه فاقتلا قتالاً شديداً تكسر فيه رمحاهما ثم سفاهما، ثم إن حبيباً عطف عليه فقتله ودخل القيروان وكان ذلك سنة ثمان وثلاثين ومائة.
وهرب إخوة إلياس إلى بطن من البربر يقال لهم ورفجومة فاعصموا بهم، فسار إليهم حبيب فقاتلهم فهزموه، فسار إلى قابس، وقوي أمر ورفجومة حينئذ وأقبلت البربر إليهم والخوارج، وكان مقدم ورفجومة رجلاً اسمه عاصم ابن جميل وكان قد ادعى النبوة والكهانة، فبدل الدين وزاد في الصلاة واسقط ذكر النبي، صلى الله عليه وسلم، من الأذان، فجهز عاصم من عنده من العرب على قصد القيروان وأتاه رسل جماعة من أهل القيروان يدعونه إليهم وأخذوا عليه العهود والمواثيق بالحماية والصيانة والدعاء للمنصور، فسار إليهم عاصم في البربر والعب، فملا قاربوا القيوان خرج من بها لقتالهم فاقتتلوا، وانهزم أهل القيروان، ودخل عاصم ومن معه القيروان، فاستحلت ورفجومة المحرمات وسبوا النساء والصبيان وربطوا دوابهم في الجامع وأفسدوا فيه.
ثم سار عاصم يطلب حبيباً وهو بقابس فأدركه واقتتلوا، وانهزم حبيب إلى جبل أوراس فاحتمى به، وقام بنصره من به، ولحق به عاصم فالتقوا واقتتلوا، فانهزم عاصم وقتل وهو وأكثر أصحابه، وسار حبيب إلى القيروان، فخرج إليه عبد الملك بن أبي الجعد وقد قام بأمر ورفجومة بعد قتل عاصم، فاقتل هو وحبيب، فانهزم حبيب وقتل هو جماعة من أصحابه في المرحم سنة أربعين ومائة.
وكانت إمارة عبد الرحمن بن حبيب على إفريقية عشر سنين وأشهراً، وإمارة أخيه إلاس سنة وستة أشهر، وإمارة بنه حبيب ثلاث سنين.

.ذكر إخراج ورفجومة من القيروان:

ولما قتل حبيب بن عبد الرحمن عاد عبد الملك بن أبي الجعد إلى القيروان وفعل ما كان يفعله عاصم من الفساد والظلم وقلة الدين وغير ذلك، ففارق القيروان أهلها.
فاتفق أن رجلاً من الإباضية دخل القيروان الحجاةٍ له فرأى ناساً من الورفجومين قد أخذوا امرأة قهراً والناس ينظرون فأدخلوها الجامع، فترك الإباضي حاجته وقصد أبا الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري فأعلمه ذلك، فخرج أبو الخطاب وهو يقول: بيتك اللهم بيتك!فاجتمع إليه أصحابه من كل مكان وقصدوا طرابلس الغرب، واجتمع عليه الناس من الإباضية والخوارج وغيرهم، وسير إليهم عبد الملك، مقدم ورفجومة، جيشاً فهزموه وساروا إلى القيروان، فخرجت إليهم ورفجومة واقتتلوا واشتد القتال، فانهزم أهل القيروان الذين مع ورفجومة وخذلوهم، فتبعهم ورفجومة في الهزيمة وكثر القتل فيهم وقتل عبد الملك الورفجومي، وتبعهم أبو الخطاب بقتلهم حتى أسرف فيهم، وعاد إلى طرابلس واستخلف على القيروان عبد الرحمن بن رستم الفارسي.
وكان قتل ورفجومة في صفر سنة إحدى وأربعين.
ثم أإن جماعة كثيرة من المسودة سيرهم محمد بن الأشعث الخزاعي، لأأمير مصر للمنصور،إلى طرابلس لقتال أبي الخطاب، وعليهم أبو الأحوص عمر بن الأحوص العجلي، فخرج إليهم أبو الخطاب وقاتلهم وهزمهم ينة اثنتين وأربعين، فعادوا إلى مصر، واستولى أبو الخطاب على سائر إفريقية. فسير إليه المنصور محمد بن الأشعث الخزاعي أميراً على إفريقية، فسار من مصر سنة ثلاث وأربعين فوصل إليها في خمسين ألفاً، ووجه مع الأغلب بن سالم التميمي، وبلغ أبا الخطاب مسيره فجمع أصحابه من كل ناحية، فكثر جمعه وخافه ابن الأشعث لكثرة جموعه.
فتنازعت زناته وهوارة بسبب قتيل من زناته، فاتهمت زناته أبا الخطاب بالميل إليهم، ففارقه جماعة منهم، فقوي جنان ابن الأشعث وسار سيراً رويداً، ثم أظهر أن المنصور قد أمره بالعود، وعاد إلى ورائه ثلاثة أيام سيراً بطيئاً، قوصلت عيون أبي الخطاب وأخبرته بعوده، فتفرق عنه كثير من أصحابه وأمن الباقون، فعاد الأشعث وشجعان هسكره مجداً فصبح أبا الخطاب وهو غير متأهب للحرب، فوضعوا السيوف في الخوارج، واشتد القتال، فقتل أبو الخطاب وعامة أصحابه في صفر سنة أربع وأربعين ومائة.
وظن ابن الأشعث أن مادة الخوارج قد انقطعت، وإذا هم قد أطل عليهم أبو هريرة الزناتي في ستة عشر ألفا، فلقيهم ابن الأشعث وقتلهم جمعاً سنة أربع وأربعين، وكتب إلى المنصور بظفره، ورتب الولاة في الأعمال كلها، وبني سور القيروان فيها، وتم سنة ست وأربعين، وضبط إفريقية، وأمعن في طلب كل من خالفه من البربر وغيرهم، فسير جيشاً إلى زويلة ووران،فافتتح وران وقتل من بها من الإباضية، وافتتح زويلة وقتل مقدمهم عبد الله بن سنان الإباضي وأجلى الباقين. فلما رأى البربر وغيرهم من أهل العبث والخلاف على الأمراء ذلك خافوه خوفاً شديداً وأذعنوا له بالطاعة. فثار عليه رجل من جنده يقال له هاشم بن الشاحج بقمونية وتبعه كث4ير من الجند، فسير إليه ابن الأشعث قائداً في عسكر، فقتله هاشم وانهزم أصحابه، وجعل المضرية من قواد ابن الأشعث يأمرون أصحابهم باللحاق بهاشم كراهية لأبن الأشعث لأنه تعصب عليهم، فبعث إليهابن الأشعث جيشاً آخر، فاقتتلوا وانهزم هاشم ولحق بتاهرت وجمع اطغام البربر، فبلغت عدة عسكره عشرين ألفاً، فسار بهم إلى تهوذة، فسير إليه ابن الأشعث جيشاً فانهزم هاشم وقتلوا كثيراً من أصحابه البربر وغيرهم، فسار إلى ناحية كرابلس.
وقدم رسول من المنصور إلى هشام يلومه على مفارقة الطاعة، قال: ما خلفت ولكني دعوت للمهدي بعد أمير المؤمنين، وأنكر ابن الأشعث ذلك وأراد قتلي. فقال له لرسول: فإن كنت على الطاعة فمد عنقك. فضربه بالسيف فقتله سنة سبع وأربعين في صفر، وبذلك الأمان لأصحاب هاشم جميعهم فعادوا.
وتبعهم ابن الأشعث بعد ذلك فقتلهم، فغضب المضرية واجتمعت على داوته وخلافه، واسجتمع رأيهم على إخاجه. فملا رأى ذلك سار عنهم، ولقيته رسل المنصور بالبر والإكرام، فقدم عليه، واستعمل المضرسة على إفريقية بعده عيسى بن موسى الخراساني.
وكان بعد مسير ابن الأشعث تأمير الهخاساني ثلاثة أشهر، واستعمل المنصور الأغلب التميمي، على ما نذكره، في ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومائة وإنما أوردنا هذه الحوادث متتابعة لتعلق بعضها على ما شرطناه، وقد ذكرنا كل حادثة في أي سنة كانت فحصل الغرضان.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة عزل يزيد بن الوليد يوسف ين محمد بن يوسف عن المدينة واستعمل عبد العزيز بن عمرو بن عثمان، فقدمها في ذي القعدة من السنة. وحج بالناس عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، وقيل: عمر بن عبد الله بن عبد الملك.
وكان العامل على العراق عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، وعلى قضاء الكوفة ابن أبي ليلى، وعلى البصرة المسور بن عمر بن عباد، وعلى قضائها عامر بن عبيدة، وعلى خراسان نصر بن سيار الكناني.
وفيها كاتب مروان بن محمد بن مروان بن الحكم أمير الجزيرة الغمر ابن يزيد الغمر ابن يزيد بن عبد الملك يحثه على الطلب بدم أخيه الوليد ويعده المساعدة له وإنجاذه على ذلك.
وفيها مات سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سنة سبع وعشرين وسعيد بن أبي سعيد المقبري. ومالك بن دينار الزاهد، وقيل مات سنة سبع وعشرين، وقيل سنة ستين. وفيها توفي عبد الرحمن بن القاسم ابنم محمد بن أبي بكر الصديق، وقيل سنة إحدى وثلاثين. وف إمارة يوسف ابن عمر على العراق توفي أبو جمرة الضبعي صاحب ابن عباس.
جمرة بالجيم والراء المهملة. ثم دخلت:

.سنة سبع وعشرين ومائة:

.ذكر مسير مروان إلى الشام وخلع إبراهيم:

وفي هذه السنة سار مروان إلى الشام لمحاربة إبراهيم بن الوليد.
وكان السبب في ذلك ما قد ذكرنا بعضه من مسير مروان بعد مقتل الوليد وإنكاره قتله وغلبته على الجزيرة ثم مبايتعته لزيد بن الوليد بعدما ولاه يزيد من عمل أبيه.
فلما مات يزيد بن الوليد سار مروان في جنود الجزيرة وخلف ابنه عبد الملك في جمع عظيم بالرقة، فلما انتهى مروان إلى قنسرين لقي بها بشر ابن الوليد، وكان ولاه يزيد قنسرين، ومعه أخوه مسرور بن الوليد، فتصافوا، ودعاهم مروان إلى بيعته، فمال إلية يزيد بن عمر بن هبيرة في القيسية واسلموا بشراً وأخاه مسروراً، فأخذهما مروان فحبسهما، وسار ومعه أهل قنسرين متوجها إلى حمص.
وكان أهل حمص قد امتنعوا حين مات ييد من بيعة إلبراهيم وعبد العزيز، فوجه ه إليهم إبراهيم بعد العزيز وجند أهل دمشق فحاصرهم في مدينتهم، وأسرع مروان السير، فلما دنا من حمص رحل عبد العزيز عنها وخرج أهلها إلى مروان فايعوه وساروا معه. ووجه إبرايهم بن الوليد الجنود من دمشق مع سليمان بن هشام، فنزل عين الجر في مائة وعشرين ألفاً، ونزلها مروان في ثمانين ألاً، فدعاهم مروان إلى الكف عن قتلاله وإكطلاق ابني الوليد الحكم وعثمان من السجن وضمن لهم أنه لا يطلب أحداً من قتلة الوليد. فلم يجيبوه وجدوا في قتاله، فاققتلوا ما بين ارتفاع النهار إلى العصر، وكثر القتل بينهم.
وكان مروان ذا رأي وكيدة، فأرسل ثلاثة آلاف فارس، فساروا خلف عسكره وقطعوا نهراً كان هناك وقصدوا عسكر إبراهيم ليغيروا فيه، فمل يشعر سليمان ومن معه وهم مشغلون بالقتال إلا بالخيل والبارقة والتكبير في عسكرهم من خلفهم، فلما رأوا ذلك انهزموا ووضع أهل حمص السلاح فيهم لحنقهم عليهم فقتلوا منهم سبعة عشر ألفاً، وكف أهل الجزيرة وأهل قنسرين عن قتلهم وأتوا مروان من أسرائهم بمثل القتلى واكثر، فأخذ مروان عليهمم البيعة الولدي الوليد وخلى عنهم ولم يقتل منهم إلا رجلين، أحدهما يزيد بن العقار والوليد بن مصاد الكلبيان، وكانا ممن وليب قتل الوليد، فإنه حبسهما فهلكا في حبسه. وهرب يزيد بن عبد الله القسري فيمن هرب مع سليمان إلى دمشق واجتمعاوا مع إباهيم وبعد العزيز بن الحجاج، فقال بعضهم لبعض: إن بقي ولدا الويد حتى يخرجهما مروان ويصير الأمر إليهما لم يستبقيا أحداً من قتله أبيهما والرأي قتلهما، فرأى ذلك يزيد بن خالد، لإأمر أبا الأسد مولى خالد يقتلهما، وأخرج يوسف بن عمر فضرب رقبته، وأرادوا قتل أبي محمد السفياني فدخل بيتاً من بيوت السجن وأغلقه فلم يقدروا على فتحه، فأرادوا إحراقه له يؤتوا بنار حتى قيل دخلت خيل مروان المدينة، فهربوا وهرب إبراهيم واختفى، وانهب سليمان ما في بيت المال فقسمه في أصحابه وخرج من المدينة.

.ذكر بيعة مروان بن محمد بن مروان:

وفي هذه السنة بويع بدمشق لمروان بالخلافة.
وكان سبب ذلك أنه لما دخل دمشق وهرب إبراهيم بن الوليد وسليمان ثار من بدمشق من موالي الوليد دار عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك فقتلوه ونبشوا قبر يزيد بن الوليد فصلبوه على باب الجابية، وأتي مروان بالغلامين الحكم وعثمان ابني الوليد نقتولين، وبيوسف بن عمر، فدفنهم، وأتي بأبي محمد السفياني في قوده فسلم عليه بالخلافة، ومروان يسلم عليه يومئذ بالإمرة، فقال له مروان: مه! فقال: إنهما جعلاها لك بعدهما؛ وأنشده شعراً قاله الحكم في السجن، وكانا بلغا وولد لأحدهما، وهو الحكم، فقال الحكم:
ألا من مبلغ مروان عين ** وعمي الغمر طال به حنينا

بأني قد ظلمت وصار قومي ** على قتل الوليد مشايعينا

أيذهب كلهم بدمي ومالي ** فلا غشا أصبت ولا سمينا

ومروان بأرض بني نزارٍ ** كليث4 الغاب مفترس عينا

أتنكث بيعتي من أجل أمي ** فقد بايعتم قبلي هجينا

فإن أهلك أنا وولي عهدي ** فمروان أمير المؤمنينا

ثم قال: اسط يدك أبايعك. وسمعه من مع مروان، وكان أول من بايعه معاوية بن يزيد بن حصين بن نمير ورؤوس أهل حمص والناس بعده، فلما استقر له الأمر رجع إلى منزله بحران وطلب منه الأمان لإبراهيم بن الوليد وسليمان بن هشام، فآمنهما، فقدما عليه، وكان سليمان بتدمر بمن معه من إخوته وأهل بيته ومواليه الذكوانية فبايعوا مروان بن محمد.